حسن الخاتمة موجباتها وعلاماتها
Abstract
الخاتمة
نرى فيما تقدم حالات الناس في حسن الخاتمة وسوئها كلاً حسب ما قدم في هذه الحياة الدنيا وعند سكرات الموت تبرز حالتان كبريان ينقسم إليهما الناس: الأولى: حسن الخاتمة والثانية سوء الخاتمة أعاذنا الله وأياكم منها.
أما الحالة الأولى موضوع بحثنا فهي حسن الخاتمة التي تكون للمؤمنين الموفقين، وكم سمعنا من أحوال الصالحين الطيبة؟ ذلك الصالح الذي أحسن الله له الختام فاستعد لما أمامه بتوبة لربه سبحانه وتعالى، وذاك يموت في سبيل الله، وآخر يموت مهاجراً إلى الله ورسوله، وثالث يموت وهو ذاهب إلى الحج أو راجع منه، ورابع يموت وهو ذاهب إلى الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
وقد أُخْبِرتُ عن مجموعة من الأخيار ذهبوا إلى الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في أقصى هذه البلاد، وبينما هم مسافرون لخطبة الجمعة وإلقاء بعض الدروس إذا بالحادث يأتي فيموت اثنان منهم ويصاب الثالث، أسأل الله تبارك وتعالى أن يتغمد الميتين برحمة منه وفضل، وأن يرزق الثالث الشفاء العاجل، إنها علامة - فيما نحسبهم والله حسيبهم- على حسن الخاتمة.
وحال أخرى يموت فيها مؤمن وهو يصلي لله رب العالمين، رجل خطب الجمعة ثم لما صلى بالناس مات في السجود في الركعة الثانية، وآخر جلس يصلي لصلاة الظهر وبينما هو يصلي إذا به في الركعة الثالثة يسجد السجود الأخير ، وآخر ينتظر الصلاة فتذهب الروح إلى ربها سبحانه وتعالى وهو يسبح لله رب العالمين.
ويحسن بنا أن نوجز الوسائل التي جعلها الله سببا في حسن الخاتمة وهي:
أ- تقوى الله في السر والعلن والتمسك بما جاء به النبي قال تعالى: } أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ (آل عمران: 102) ، وقال (صلى الله عليه وسلم) { إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه}([i]) .
ب- المداومة على ذكر الله، فمن داوم على ذكر الله وختم به جميع أعماله، وكان آخر ما يقول من الدنيا لا إله إلا الله، نال بشارة النبي : أي الأعمال أفضل؟ قال: { أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله }([ii]) .
ومن أعظم السُبل للفوز بالجنة ثمارها المداومة على العمل الصالح، إنها سبب لحسن الخاتمة والفوز بالجنة، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة.
يقول الحافظ ابن كثير : ( لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه)([iii]) فإن عشت على طاعة وعلى عمل صالح اقتضى عدل الله أن يتوفاك على ذات الطاعة و العمل الصالح نفسه، فإن مت على هذه الطاعة بعثت على ذات الطاعة لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( يبعث كل عبد على ما مات عليه )([iv]) .
ويقول الحبيب (صلى الله عليه وسلم) ، والحديث رواه الترمذي و أحمد وهو حديث صحيح: ( إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه )([v]) .
اللهم استعملنا لطاعتك يا رب العالمين! هذا هو الاستعمال: إذا وفقت للعمل الصالح وداومت عليه، قبضت على هذا العمل الصالح وبعثت على الطاعة نفسها.
عباد الله: يقول الله جل وعلا:} يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ{ (إبراهيم: 27)
وقال جل وعلا:} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{ (العنكبوت:69) اللهم اجعلنا من المحسنين يا رب العالمين! ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا )، يا من جاهدت نفسك!.
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (... إنما الأعمال بالخواتيم )([vi]) .
يا من صبّرت نفسك على طريق الطاعة وصبرت نفسك عن المعصية! اعلم أن موعود الله أن يهديك السبيل، وأن يثبتك ويسددك على الطريق، وأن يكون معك؛ لأنك حينئذٍ ستكون مع المحسنين، والمحسن: هو الذي يعبد الله كأنه يراه، وهو يعلم يقيناً أنه إن لم ير الله فإن الله جل وعلا يراه لقوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الطويل عندما جائه جبريل يسأله : (...ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )([vii]) .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقائك، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
[i]- مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل، حديث أبي مالك سهل بن سعد الساعدي، حديث(22808)37/467.
[ii]- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، ابن حبان، كتاب الرقائق، باب الأذكار ، حديث(818) ، 3/99.
[iii]- تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي[ 700-774 هـ]، تحقيق : سامي بن محمد سلامة، دار طيبة ، الطبعة : الثانية 1420هـ - 1999 م، 2/87.
[iv]- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم ، كتاب (51)الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب (19)الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت ، حديث(2878)، 4/2206.
[v]- شعب الإيمان ، البيهقي، حديث(7253)، 10/116.
[vi]- صحيح البخاري، البخاري، كتاب الجمعة، باب من انتظر حتى تدفن، حديث(6607)،8/124.
[vii]- صحيح البخاري، البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة وبيان النبي (صلى الله عليه وسلم) له ثم قال جاء جبريل عليه السلام يعلمكم دينكم فجعل ذلك كله دينا وما بين النبي (صلى الله عليه وسلم) لوفد عبد القيس من الإيمان وقوله تعالى{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}، حديث(50)،1/19.